تلقين الميت وسؤال القبر فى العقيدة المصرية القديمة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ الآثار المصرية بقسم الآثار المصرية - کلية الآثار بقنا - جامعة جنوب الوادي

المستخلص

اهتمت الدراسات المصرية القديمة بالبعث وحياة ما بعد الموت دون الالتفات الى اولى خطوات ذلک البعث وهي صحوة القبر، والسؤال هل إعتقد المصرى فى إستيقاظ الميت لحاله أم هناک من سيقوم بإيقاظه، وهل الاستيقاظ کان يتم بالجسد ام بالروح أم بکيان آخر خاص بذلک العالم الجديد؟ إن الحرص على إيقاظ الميت وإملائه بما عليه أن يفعل ويقول يُعرف بالتلقين، وهو ربما فلسفة مصرية خالصة، ويمکن أن تستخدم کلمة "مصرية" على الإطلاق وذلک لأنه بمرور الفترات التاريخية أصبح التلقين عادة ومازال مأخوذاً به للأن مع إختلاف أسبابه و مضمونه وذلک عند دفن من هم على ملة الإسلام وقبل إغلاق القبر. من المحتمل أن المصرى علم ان هناک صحوة  ووُصف له أن بعد غلق القبر عليه سوف يصحو من غفوته بمفرده، أو أن هناک من سوف يقوم بتنبيه وإيقاظه وتلقينه بما عليه أن يفعل  وإلا لما وضع فى القبر وجبة غذائية بجوار الميت ليتمکن من تناولها بصفة سريعة بعد الإستيقاظ من سباته.
 تعددت الأقوال المسجلة بشأن ذلک الموضوع وتباينت فيما بينها لتوضيح مفهوم عام يشير إلى تعلق المصرى بالروحانيات والتعمق فى الغيبيات، ومفهوم خاص يعبر عن مدى تمسک المصرى بالإعتقاد والإيمان بذلک الشأن وإنفراده به دون سائر شعوب العالم القديم کما أن ذلک الإعتقاد وما يتبعه من حياة فى عالم مجهول اطلق العنان لتصور وتخيل العالم الذى سوف ينتقل إليه ذلک الميت، فأشير إليه إنه مکان للمحسابة ونيل الجزاء عن ما إقترفه الإنسان الفرد فى عالم الحياة الأولى ثم إما النعيم أو الفناء الأبدى.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


[1] لم تشير أى من الدراسات التى تناولت حياة ما بعد الموت عند المصريين القدماء إلى فکرة إيقاظ ذلک الميت  وتلقينه بما سيفعله بعد ذلک من تناول وجبة سريعة ثم التعرض للسؤال ربما کمرحلة مبدئية، وإنما ما أشير إليه هو البعث والمحاسبة وما يعقب ذلک من رحلة الى الخلود، على الرغم من وجود تلک الجمل الدالة على تلقين الميت فى کل من نصوص الاهرام والتوابيت.
[1] Allen,Th.G. The Book of the Dead or Going Forth by Day , Ideas of the Ancient Egyptians Concerning the Hereafter as Expressed in Their Own Terms, Chicago,1974 ;Lepsius, R. Das Todtenbuch der Ägypter nach dem Hieroglyphischen Papyrus in Turin, Leipzig, 1842
[1] Fleming, F. ; Lothian,A. The Way to Eternity : Egyptian Myth, Amsterdam, Duncan Baird, 1997 & Allen, J. Middle Egyptian: An Introduction to the Language and Culture of Hieroglyphs, Cambridge,2000, pp.94- 95 & David,R. Religion and Magic in Ancient Egypt, Pnguin, 2002. & Assmann,J. Death and Salvation in Ancient Egypt. (Trans. by David Lorton), Cornell Universty Press, 2005.   
[1] ما يحدث بعد الموت من يقظة وهى أولى خطوات البعث ففى العقيدة الإسلامية يتم سؤال القبر بعد إنهاء إجراءات الدفن وغلق القبر، فعند الدفن يوجه الميت فى قبره إلى القبلة ويوضع على جانبه الأيمن وتحل أربطته ويدعى له بالإستغفار والتثبيت أى يجهز للسؤال لأنه سوف يسأل، وهذا مؤکد فقد کان الرسول صلى الله عليه وسلم  إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه قائلا: إستغفروا لاخيکم وسلوا له التثبيت فإنه الأن يسأل رواه ابو داود(3221) والحاکم (1412) وصححه ووافقه الذهبى عن عثمان بن عفان رضى الله عنه وصححه الالبانى. انظر: احمد حمانى – فتاوى الجنائز – تحقيق شوقى بناس – دار ابن حزم – بيروت – لبنان – 2008 – ط1- ص87؛ وعن هانىء مولى عثمان ابن عفان قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه (سؤال القبر – (www.islamQA.com
إرتبط الوعى بعد الموت ببقاء الروح وخلودها ، وإذا کان هناک ايمان ببعث فلابد من الإيمان المسبق بالخلود، فالروح أو النفس تحيا حياتين: الدنيا والآخرة بوعى دائم تتفاوت درجات المسئوليات فيه ايمانا ودينا وثقافة وأخلاقا وسلوکا ووجدانا. إذا کانت الروح أو النفس واعية بوجودها فى الحياة الأولى، فهى بعد الموت أعظم وعيا بالحياة الأخرى أثناء مواجهتها للحقيقة الأزلية السرمدية الخالدة بعد أن تکون قد زالت عنها غفلتها وغشاوتها وخاصة عند الوقوف بين يدى الله الخالق للحساب (الاية 18 من سورة الحاقة : يومئذ تعرضون لا تخفى منکم خافية). موقع وزارة الاوقاف والشئون الإسلامية – مجلة دعوة الحق ، العدد 175  
وعن الوعى بعد الموت أشار مايرز (الشخصية الإنسانية وخلودها بعد الموت الجسدى) إلى ديناميکية الدماغ بعد الموت مثبتا الوجود الواقعى للحياة بعد الموت.(مايرز – الشخصية الإنسانية – (google.com
لقد تحدثت الديانات الاخرى من أن هناک حياة بعد الموت ولکنها لم تشر الى سؤال القبر تحديدا أو کيفية اليقظة.  فيذکر الکتاب المقدس أن هناک حياة بعد الموت وهى حياة أبدية رائعة ومجيدة (کورنثوس الاولى 9 :2)، وأنها هبة من يوسع المسيح (اشعيا 35 :5) الذى أثبت إنتصاره على الموت بقيامته من القبر بالجسد والروح بعد ثلاثة ايام من موته ووضعه فى القبر، ثم مکث فى الارض أربعون يوما وشوهد من آلاف الناس قبل صعوده إلى السماء (رومية 4: 25).
أشار حکماء التلمود أن هناک يوم للحساب وفيه تطرح على الإنسان على ما يبدو عدد من الأسئلة أهمها فيما يخص الأمانة ، وأکد الحکماء على فناء الجسد وخلود الروح وإنتقالها بعد الوفاة إلى مکان الحساب شؤول (العدد 16: 31-33 ، الجامعة 3: 9-21 ، المزامير 116: 117 ، ايوب 14: 10-14 ، صموئيل الاول 28: 8).
يذکر الکتاب المقدس (انجيل لوقا 23: 43) أن أرواح الأبرار تذهب إلى الفردوس، والأخرى إلى الجحيم وکلاهما ينتظر يوم الدينونة العظيم. أشار العهد القديم (رسالة بطرس الرسول الاولى 3: 18-20) إلى أن هناک مکان إنتظار لمختلف الأرواح ليوم الدينونة العظيم وهو الجحيم، وبعد الصلب أخرج السيد المسيح أرواح الأبرار من الجحيم إلى مکان إنتظار لهم وهو الفردوس، وبنهاية العالم والمجىء الثانى والدينونة سينتقل أرواح الأبرار إلى الملکوت مع الله وأرواح الأشرار إلى جهنم. قيام الموت إعتقد فيه ولکن دون تحديد ميعاد له وأشير إليه إنه فى وقت ما فى المستقبل، صُرح بذلک على نطاق واسع فى سفر دانيال (وهو من اسفار الکتاب المقدس العبرى المتأخر 12 :2) حيث أقر بإستيقاظ الأموات المدفونين فى تراب الأرض بعضهم لينال الحياة الأبدية وبعضهم ليساموا ذل العار إلى الأبد. إن إنتظار البعث وعودة الحياة فى المستقبل للأموات کان سائدا - إلى حد ما - فى التلمود وفى الأدب اليهودى المتأخر، ويعترف الحاخامات اليهود بأن کل إنسان على الأرض سوف يقف أمام الله للحساب (التوسفتا "سنهدرين" 13 :2). www.3refe.com      
[1] کما هو متبع الأن فى أغلب الأحوال من قيام الأبن الأکبر للمتوفى بصلاة الجنازة والدعاء ونزول القبر لتفکيک الکفن ثم الوقوف على القبر مع الآخرين بعد إغلاقه للدعاء والموأنسة.
[1] يوضح ذلک تعدد ما أطلق عليه کتب العالم الآخر:
 Rössler-Köhler,U.,Jenseitsvorstellungen,LÄ,III,Wiesbaden,1980,s.252ff;  Hornung,E., Erde, Buch von der E, LÄ,I, Wiesbaden,1975,s.1264ff ;Redford,D.B., Tagebuch, LÄ,VI, Wiesbaden,1986,151ff.
[1] نصت التعاليم التى لقنت للملک مريکارع (عصر الثورة الاجتماعية فى النصف الثانى من الالف الثالث ق.م) و تنسب لملک من الأسرة العاشرة غير محدد الاسم، أشار فى تعاليمه إلى أن الروح تذهب إلى المکان الذى تعرفه ولا تحيد فى مسيرها عن طريق أمسها، وأن الإنسان يبعث ثانية بعد الموت وتوضع أعماله بجانبه کالجبال لأن الخلود مثواه هناک، الإنسان الذى سيصل للآخرة دون أن يرتکب خطيئة فإنه سيثوى هناک ويمشى مرحاً مثل الأرباب الخالدين.  سليم حسن – موسوعة مصر القديمة – الأدب المصرى القديم – ج 17 – الهيئة المصرية العامة للکتاب – مکتبة الأسرة 2000 – ص 190، 194.   
 
[1] يذکر عبد الحميد زايد أن أهل العراق القدامى لم يعتقدوا فى الفناء المطلق، وعند الموت تنفصل الروح عن الجسد وتدخل فى دائرة عالم الأرواح وتبقى فيه إلى ما لا نهاية. ويؤکد زايد إنه لم توجد وثائق تشير إلى إعتقاد أهل العراق القدامى فى عودة الروح إلى الجسد فى القبر أو الإعتقاد فى البعث مثلما إعتقد المصريون القدماء على الرغم من  وصفهم لعالم الأرواح السفلى  مع عدم تصورهم لوجود جنة أو نار، وبالتالى فليس هناک ثواب أو عقاب وعليه لا يوجد إيمان بالبعث، وأن الاهتمام بالقبر (منطقة سبار - الالف الثالث ق.م) و وضع الميت على ظهره ومعه بعض المستلزمات وتقديم القربان الشهرى أشار فقط إلى دفع الأذى عن الميت دون تکريمه، فلقد کان هناک إعتقاد تام فى الحساب الدنيوى فقط. وعن البابليون فلقد أحب البابلى الدنيا من منطلق عدم الإعتراف بالبعث ومارس البابليون کل سبل التمتع الدنيوى وخلدوا انفسهم بما ترکوه من أعمال عمرانية. لقد اخذ المجتمع ککل بمبدأ الطاعة، فطاعة السلطة الحاکمة کانت هى أساس قيام المجتمع، وأعتبرت العدالة حقاً من حقوق الفرد على الدولة (طبقا لما نصت عليه شريعة حمورابى) لذا کان هناک شک فى المصير وخاصة بعد الموت، وأکدت ملحمة جلجامش على الإنشغال بالمصير، وکان للفرد الحق المطلق فى مطالبة الآلهة بثوابه على ما يفعل دنيويا. عبد الحميد زايد – الشرق الخالد : مقدمة فى تاريخ وحضارة الشرق الادنى من اقدم العصور حتى عام 323ق.م – دار النهضة العربية – القاهرة 1967 – الصفحات 140-149 ؛ وللمزيد : نائل حنون – عقائد ما بعد الموت فى حضارة بلاد وادى الرافدين القديمة – ط2 - وزارة الثقافة – بغداد – 1986 ، بشار خليف – دراسات فى حضارة المشرق العربى القديم – مرکز الإنماء الحضارى – حلب – 2004. 
[1]  Pyr.Text, 875c
[1]  Pyr. Text, 2201c
[1]  CT.I,260 a-b (sp 152)
[1]  CT.I,306 a-c (sp74)
[1] CT.I, 243 a-d (sp 53)
[1] Pyr. Text, 1003 b-c
[1]  pyr. Text, 1747a-b,1748a
[1]  Pyr Text,. 2182b-c , 2183a
[1]  Pyr. Text, 1002 b ; 1003 b ; 1047 a
[1]  CT.I,6 b-c (sp.1) ; I,7 b-c,(sp.I) 
[1] CT.I,7 b-c (sp 1)
[1] CT.III,199 a-h,(sp219)
[1] ما مفهوم تسلمه لقلبه فى کل مکان منح له او تواجد فيه، فهل هناک إحياء وإنعاش للقلب فى کل مکان سوف يتواجد به ذلک المتوفى حتى يکون حيا دائما فى ذلک العالم؟ 
[1] عبد العزيز صالح، حضارة مصر القديمة وآثارها، الاتجاهات الحضارية العامة حتى اواخر الألف الثالث ق.م، الجزء الاول، القاهرة، 1980 الصفحات: 96، 108 ، 118وهامش 28،29  
[1] - Faulkner, Pyr.Text, p.52 (utt 223),not 4
[1] - Pyr. 214a-b, 215b, 216a-b, 217a-b
[1]  Hw  ذکرت تلک الکلمة فى قاموس برلين بمعنى دعوة، ولم ترد إلا فى نصوص الاهرامWb.I,346,8  ، وإن کان فولکنر قد ترجمها بمعنى استيقظ Faulkner,Pyr,Text, p.51(utt223, {214)
[1] وتقرأ ihi  ihi  حيث ذکرت فى قاموس برلين  Wb.I,118,2 وتکرار يشير لتکرار الکلمة يمکن مراجعة الجملة (654أ).
[1]  Faulkner, Pyr. Text, p.230(utt574), not.10
[1] - pyr. Text,1363a-b
[1] ترجم فولکنر الجملة (إبعد الغطاء؟ الذى على وجهک)، وربما أنه وضع تلک الترجمة کترجمة ضمنية لسياق معنى النص، فالمعنى الحرفى لکلمةnTn.t  وفقا لقاموس برلين (قذارة) وهى کلمة ظهرت فقط فى نصوص الاهرام وليس لها مترادفات من عصور لاحقة Wb.II,357,11
[1] Wb.I,62,19 & IV,392,9
[1]  Pyr. Text, 735 a-c ; Faulkner, Pyr. Text, p.136, utt 413
[1] [1]  Pyr.Text, 1086 a-b
[1] Pyr. Text, 654a-c
[1] pyr.1363b-c
[1] Wb.III,52
[1]  Pyr.827- 829 ,837- 838 ; CT.I,306 d-f (sp. 74)
[1] Pyr.858 a-b
[1] pyr. 2182b-c , 2183a
[1] عبد العزيز صالح، المرجع السابق، الصفحات: 148 – 150 ، 177
[1] pyr.1353a
[1] Pyr. 2145c
[1] pyr.1357 a-b
[1]  Wb.II,222,13
[1] Hornung,E. Amduat, II,p.78
[1] Assmann,J. Altägyptische Totenliturgien und Totensprüche im Grabinschiften des Neuen Reiches,Band 2, Heidelberg,2005,S.21
[1] Hesmsen,E. Die Zwei Wege des Jenseits,das altägyptische Zweiwegebuch und Seine Topographie,OBO,112,Freiburg,1991,S.7
[1]  Pyr.795a-c
[1] CT I, 8,(sp 2)
[1]Faulkner, Pyr. Text,P.249,Utt 604(1680)not.1
يمکن أن تضع الدراسة توضيح لماذا يطلق عليهم ألهة؟ لماذا لا يکونوا الملائکة المکلفين بالعالم الآخر؟   
[1] CT.I,187 b-c, sp.44